المجموعة الثالثةC :صراع الحروف
شبه الظل
وسط هضبة تحتضنها جنة الطبيعة أخفي مملكتي السرية أين خُلق المصور المعجزة بدأت سلسلة الظلام الأبدي
نعم إنه اليوم المنشود الذي لا طالما انتظرت حدوثه ها هو ذا الخسوف أنا مستعد لإذهال العالم و تفجير موهبتي ،
أذكر أني التقطت أكثر من ألف صورة خلال ساعتين ، و ما إن انتهيت شققت طريقي للبيت ، كنت طول الوقت أتفقد الصور و أكرر ذلك ، حتى أنني لم أكن على وعي بما يجري من حولي ، و فجأة صارت ألوان بعض الصور تختفي و الأخرى تتموج و تتخذ أشكالا غريبة ، ما هذا ؟ ماذا يجري هنا ؟ يا إلهي لقد اتلفت الصور ، لا لا هذا لا يصدق ، حتما أنا أهذي فالكاميرا في أفضل حالاتها ، أخذت هاتفي حتى ألتقط صورة و أتحقق مما يجري ، و ما إن وجهت نظري إلى السماء ، إذ بي أرى ظلام حالك يكتسيها ، فزع رهيب خيم بالأرجاء ، لم أكن ارى شيئاً ، بقيت أترقب هذه المتاهة لعلي أجد مسلكا يخرجني منها ، لكن دون جدوى و كأنك تسبح في علبة حبر أسود ، وبينما انا غارق في دوامة من التفكير والحيرة ، اختطف صوت غريب كل السكون الذي عم المكان ..وما ان استدرت لتحديد مصدره ، حتى تجلت لي عينان حمراوتان تشعان غضبا وفتكا ..كانت آخر إلتفاتة لي قبل ان أهرع في الركض بكل جنون وفي كل إتجاه ، و كلما ظننت أنني ابتعدت عنه اقترب أكثر ، و صار الصوت أوضح بكثير:
"ساعدني, أرجوك ساعدني"
أساعدك ؟ تبا لك أنا من يحتاج المساعدة ، أبى أن يتوقف النداء ، نبرته كانت تثير الشفقة فما كان علي إلا أن أذهب نحوه و انظر إليه مهلا لحظة ...
أفقت و الألم ينهش جسدي يبدو أنني وقعت ، لكن أ لم أكن ذاهبا لألبي طلب النجدة لأحدهم ؟؟ ، آه.. أفكاري مشوشة ، لا أتذكر ما جرى تماما فقد كنت مصدوما
لا غير معقول ثانية
إنه ذاك.. ذاك... الضوء الأحمر المريع مجددا
ها هو الآن قادم نحوي ، ما الحل ؟ أجل يجب علي أن أهرب ..، لكن مهلا مهلا قد يكون هو من طلب المساعدة
إذا لاداعي للفرار اقتربت من النهر أين وقعت لأغسل وجهي بماءه لعلي أصفي ذهني ريثما يصل ، فوجدت أن لونه اصبح احمرا يعكس حمرة القمر الدموي...
مهلا لحظة ظننت ان ظاهرة الخسوف قد انتهت قالوا انها لن تدوم اكثر من ساعتين ...!!
قاطعني صوت اجش عليه نبرة التوتر:
-هذا ما كان يجب ان يكون لولا غبائي ...
التفتت اليه بنظرة حيرة إنه ليس سوى ذلك المخبول الذي يسمي نفسه عالما... لطالما نادوه الناس بالمجنون الذي يعيش وحيدا على ضفة القرية نراه مرة واحدة في الشهر عندما يأتي إلينا ليبيع خردواته و يشتري بثمنها مقتضياته من الاكل و لوازم المنزل قبل ان يعود الى ما يسميه مختبره. حسنا لكن ما الذي يعنيه بكلامه هذا و لماذا طلب مساعدتي...
-ماذا تقصد بما قلته سابقا ؟سألته متعجبا
اخرج شيئا غريب الشكل من جيبه و قال لي استمع..
-ما هذا الشيء ؟ و إلى ماذا استمع. ؟
-انه مجرد مذياع يا هذا
-ااه حقا
ضغط على احد الأزرار ،بدا المذيع بصوت مرتجف
-البلد يشهد ظاهرة غريبة فالجميع ينتحر الجميع ... احذروا احذروا حافظوا على سلامتكم.
ما الذي يحدث سأفقد صوابي جرَّاء هذا كله
اطفئ العالم المذياع و نظر إلي قائلا أعلم أنك لم تفهم شيئا حاليا لكني ساشرح لك ...
تنهد قبل ان يبدا السرد قائلا...
"بدأ كل شيء قبل سبع سنوات، كلما أذهب للقرية لبيع اختراعاتي اراها ،كانت مهتمة بما أصنعه عكس الجميع، هي أول شخص أحسست أنه يفهمني و يهتم بأعمالي ، وقعت في حبها وتزوجتها رغم رفض أهلها في البداية لكن استجابوا لالحاحها، وهذه كانت أول و آخر فرحة لي .
"مرت ثلاث سنوات بعد الزواج ،قضيتها كلها مع محاولتي في اختراع أثبت به نفسي ، لم أكن أعر زوجتي الاهتمام الكافي .
..كان يوما مشؤوما عدت إلى بيتي لأجد عبارة خُطّت بالدم على الباب "هوسك أنهى الحياة " ، ما إن دخلت وجدت زوجتي معلقة بحبل ،
-بدأ يبكي بهستيرية و لم يسعني سوى ان اسكت و أنا انظر اليه...
واصل سرده "لقد عانت زوجتي من الاكتئاب جراء اهمالي لها و اسقاط كل مسؤولياتي العائلية ، كنت مشغولا لدرجة انني لا أذكر متى كان آخر مرة تحدثنا فيها .
-استغرقت مدة أربع سنوات و أنا احاول اختراع أدة تمكنني من العودة للماضي و أمنع زوجتي من الانتحار أو على الأقل أن أهتم بها أو ربما كان من الأفضل أن أعود لكي لا أتزوجها اطلاقا ...
- لحظة أداة ؟؟ .. تقصد أن تصنع آلة للعودة بالزمن؟ هذا مستحيل..
-صدقني لا مستحيل لشخص خسر كل شيء مثلي. على أي حال بعد عدة أبحاث و تجارب والصراع في النفسي الذي كان ترتاده دوما فكرة الانتحار ، توصلت الى اختراع آلة للزمن ، و احتجت فقط حدوث خسوف يدوم لساعة على الاقل لاستطيع اتمام التجربة.
-لماذا الخسوف بالظبط؟
-لانه عند حدوث الخسوف تزداد الطاقة المغناطيسية للقمر ، و هذا ما يساعدني في الوصول إلى مستوى الطاقة اللازم لتشغيل الآلة ،و لكن حدث شيء لم يكن في الحسبان ..طاقة القمر كانت اقوى مما توقعت...
اخذ نفسا عميقا و قال
-ماحدث هو أن الزمن توقف بدل ان يعود للوراء... وفي اللحظة التي شرعت بالتجربة راودتني صورة زوجتي المنتحرة و رسالتها الأخيرة سيطرت على افكاري و بسبب القوى الكهرومغناطيسية في المختبر تم تضخيم إشارة أفكاري عن الانتحار ،صرات تعكس من طرف القمر فاصبح كل من يرى الخسوف مباشرة تعتريه تلك الافكار عن الانتحار.
-ما هذا الهراء الذي تقوله افكارك تؤثر على الاخرين؟ و لماذا انا لم أتأثر بها حسبما تقول ؟
اشار الى الكاميرا و قال
-هذه هي سبب عدم تاثرك بإشارة الأفكار ، حيث ستتلف كل صورك بدلا من ذلك
-نعم و هذا ما حصل ، كيف عرفت ذلك؟؟
-هذا امر بديهي بالنسبة لي.
و اكمل
-و بالنسبة الى تاثير الافكار الم تسمع يوما بالعلوم العقلية؟ ساعطيك شرحا بسيطا عن هذا العلم ان تم تركيز الافكار كما يجب فانها قادرة على التأثير في العالم الخارجي و على الامور الفيزيائية حتى ، كما يحصل الآن سيطرة فكرة الإنتحار
ذُعرت وسألته بغضب:
_الان مالعمل؟!
نظر الي نظرة باردة و قال
-لا يوجد حل إنها النهاية
و بدأ يقهقه و يضحك بصوت عالي ، و يردد آخر جملة لزوجته "هوسي أنهى الحياة ، هوسي أنهى الحياة "
-ماذا تقول ؟ انت تهذي ؟
لماذا اذن طلبت مساعدتي؟
أنا لم أفهم شيئا مما تقول ، أنا مصور و لدي مسابقة اسعى بها لتغيير حياة والدتي ، علي أن أحيا من أجلها كفاك هراء ، ليست النهاية و لا شيء من هذا القبيل
- يبدو أن أحلامك ليس لها حدود ، ماذا صنعت أنا بشغفي و هوسي ؟ انت لست سوى شاهد على انني اكثر الاشخاص عبقرية فوق وجه الارض.
- لا لا أصمت أنت مجنون ، قررت العودة بسرعة للقرية و ما ان خطوت خطوتين حتى حل السكون ، نظرت خلفي فوجدته قد انتحر غارسا جزء من آلته في عنقه...
و بدا أن اللون الأحمر قد أعلن الحرب على العالم ، هي لحظات فقط من الهدوء، قبل أن اسمع صراخ سكان قريتنا ، هرعت مسرعا لأتفقد الأرجاء فإذا بعائلة بأكملها ترمي نفسها من سطح المبنى كانت فاجعة لا مثيل لها ، و استمرت العائلات بالإنتحار واحدة تلوى الأخرى ... هرعت إلى منزلي و همي الوحيد أمي ،
الحمد لله أنت سالمة احتضنتها بقوة ويداي ترتجفان .. كيف أواجه هذا البلاء العظيم الذي حل بنا..!! فجأة خبر عاجل على التلفاز من علماء يشرحون ظاهرة الإنتحار الجماعي التي يعود سببها إلى إشاعاعات عبرت غلافنا الجوي أثناء الخسوف أثرت على جينات نائمة في عقولنا عن العنف والقتل فنشطتها لقد كان محقا اذا.. فقط من كان يشاهد الخسوف سيقبل على الانتحار ، بدأت الأخبار من مختلف انحاء العالم تكشف عن أعداد الخسائر البشرية التي كانت تقدر بالملايين ...أطفأت التلفاز و بقينا بانتظار معجزة تحدث لتشرق الشمس مجددا ، كنت خائفاً ومشوش الفكر من الداخل لكني بدوت متماسكا من أجل والدتي ، لم يدم هذا التماسك طويلاً حين تجاوزنا وقت الشروق ولم تظهر الشمس ، فخيم الحزن واليأس على قريتنا وما زاد الأمر سوءاً هي أخبار الزلازل والفيضانات التي ضربت أكبر المدن ومسحتها عن خارطة الوجود ...مكثنا بالمنزل بين الدعاء والصلاة.. و محاولة الاطمئنان بالاقارب ، إلا أن شبكة الإتصال كانت سيئة ولم تسمح لنا بذلك.. حالها كحال الكهرباء المتقطعة ... بحلول وقت المساء رسمت الطبيعة لوحتها النارية على السماء لتساقط الأقمار الصناعية كمطر من نار لتضيئ كل أرجاء العالم ... كأن الطبيعة تنتقم من البشر و تحذرهم من التلاعب في قوانينها الثابتة و المستحيلة ،
يبدو انه حان الوقت ، إنه دورنا لنغادر هذا العالم الملعون و في ذهني حسرة على أُمٍ سعيت من أجلها لأجمع المال و أعطيها أمل في الحياة ، ها أنا الآن عاجز عن كل شيء و أقرر الانتحار معها .
ها نحن ذا على السطح البناية انها نهاية الأمل يا أمي ...
وميض أبيض تجلى وسط سواد السماء ...
صوت متقطع يرن في أذني، جفناي مثقلتان لا يسعني تحريكهما...قاومت كثيرت واخيرا استطعت فتحهما ببطىء ... إنه الوميض مجددا لكن أنا لا ارى شيئا سوى ضباب كثيف.بعد فترة وجيزة توضحت لرؤيا ، كانت امراءة بهية الطلعة ترتدي مئزرا ابيضا توجه ضوءا قويا صوب عيني وتسألني عن حالي ..التفت حولي واذ بي ارى الكثير من الالات موصولة بجسدي...سحقا أ كان كل ما مررت به مجرد حلم؟؟!
حقا انا ممدد الان في سرير في المشفى ، اخبروني بعد فترة انني وقعت بينما كنت أحاول التقاط صور الخسوف ،
مهلا لحظة مهلا ،ماذا عن المسابقة؟ ماذا عن أمي و أملها بالحياة ؟؟ ، أيضا أين هي الصور التي التقطتها ؟؟
- اخبرتني الممرضة أن الكاميرا تحطمت و أن المسابقة انتهت وان أمي بانتظاري خارج الغرفة.
جن جنوني و صرت أصرخ
لا لا غير معقول ما جرى ، لم ضاعت مني فرصة العمر ؟؟
ماذا عن آلة الزمن ؟ هل يمكنني الرجوع و اللحاق بالمسابقة و اصلاح كل ما فاتني ؟؟ هل الرجوع إلى الماضي مستحيل ؟؟هل كان هذا حلما فعلا ؟؟
انا واثق بل متاكد ان ما مررت به خلال حلمي هذا لم يكن
مصادفة لانني لطالما تماديت في احلامي وتوقعاتي أنا الآخر ،
.. لكن بقي سؤال يدور في نفسي هل ذلك العالم المجنون في الحلم هو انا؟؟.... و لماذا لم انتحر بعد ؟؟...
مع هذا كله ليس كل ما نراه في الأحلام يقين ،فربما مجرد حنين ، او حلم صعبته السنين ، أو أمل خلقناه في أنفس العاجزين
حلم يتغير ،حلم يتحقق و حلم يبحث عن القوة التي فينا .
من مسابقة نادي القراء الصيفية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق