جلست وحيدة في غرفته الباردة تكتب خواطرها التي انكبت عليها مذ وفاته
تكتب بحبر شفاف مالح يندفع كسيل جارف ما إن تحمل قلمها أو تساورها ذكراه فيلطخ ملامحها كيفما شاء
تركت قلمها ينتحر على الورق وأسندت مرفقيها بركبتيها فتلك عادتها لإخفاء ضعفها -في الأشهر الأولى لرحيله اعتكفت النوم نهارا والسمر ليلا على طاولة الأحزان ترتشف الدموع و تتمتع بحلوى الذكرى
بكت ماشاء الله لها ان تبكي حتى سمعت صوته ''اميرة ---عزيزتي كفاك بكاءا ---''اهتز كيانها فرفعت راسها وقد زاد نحيبها ---انه صوته ليس وهما هاهي تحس به يربت على راسها بحنان
امسكت تلك اليد لتوقن انها خارج احلامها الوردية ---تحسستها ببطء فاتسعت حدقتاها ولم تشعر بنفسها الا وهي تحتضنه بشدة وتدفن راسها في صدره بلا كفن "ابي ---انت حقيقة الحمد لله واجهشت بكاءا مريرا مختلطا بحشرجات مكتومة كسيمفونية متقطعة "كان كابوسا مرعبا ارجوك لاتتركني لا اريد النوم بعد الان اخاف ان يتكرر ان لا اجدك بجانبي مرة اخرى "
شعرت بضمته القوية وهو يربت على ظهرها قائلا "لا حول ولا قوة الا بالله –اللهم ارزقنا الرضا اذا حل القضاء " لوهلة ما تنبهت لصوته ورائحته –اجل ليست مسك المدينة المنورة الذي لايفارق جيبه ---انتفضت بقوة لهذا الواقع فكان طائرا نفض بجناحيه على راسها وطار حاملا معه بقايا الامل'انسلت من بين ذراعيه يلفها الياس اكثر حين راى ماكانت تخفي عن الجميع èمسحت دموعها بكسل ولم تجرا على النظر اليه ---
يبدو ان اشتياقها لوالدها بلغ ذروته فالغى في لحظة كل الحقائق حولها حين تجلى صوته يمتطي صهوة لسان اخيها "اسامة" رفع وجهها ماسحا ماعلق من دمعها على الماقي
"اميرة---ان كنت تعبدين ابي فان ابي قد مات وان كنت تعبدين الله فان الله حي لا يموت ---انه لا يحتاج دموعك بل دعاءك هو من سيكون انيسه في وحدته ---"صمت برهة وهي لاتزال متجمدة لا تريد استقبال الحقيقة بقلبها
-"اتيت لاوقظك لصلاة الفجر فلا تنسي ان قرانه كان مشهودا---"تركها وذهب مواربا دموعا سقطت اسيرة الالم بعد مقاومة شرسة ---
تسمرت مكانها تسترجع شريط ما حصل كانها تعلم بوجود الله عزوجل لاول مرة ---قاومت ضعفها في القيام على البساط للصلاة ثم سجدت سجدة بحجم مايختلج مضغتها فطال نحيبها ودعاؤها حتى اذا فرغت منها احست براحة اكبر ---
رفعت راسها و اسندته الى المقعد الخشبي خلف مكتبها بعدما انتهت من قراءة خواطر والدها واسترداد ما وضعته جانبا من ذكرياته ---لقد استغرقت وقتا طويلا لكنها استفاقت بعد الانتكاسة ---اذن لا باس بكثير من الحزن والالم مادمنا قادرين على السير قدما الباس حين يكون الحزن مصاحبا للقنوط من رحمة الله القادر على ان يبدل الياس املا قبل ان يرتد اليك طرفك ---كن مع الله ولا تبالي ---
لعروي فاطمة الزهراء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق